الدوحة، 7 يناير 2024 - ينشد منتخبنا الوطني الأول لكرة القدم البقاء على قمة المجد القاري، عندما يستضيف كأس آسيا في نسختها الثامنة عشرة التي تقام في الدوحة في الثاني عشر من يناير إلى العاشر من فبراير المقبل، وسط تحديات كبيرة لحامل اللقب.
وأوقعت قرعة البطولة القارية منتخبنا الوطني في المجموعة الأولى إلى جانب منتخبات الصين، وطاجيكستان، ولبنان، حيث يلتقي منتخبنا الوطني المنتخب اللبناني في افتتاح المنافسة التي تشهد مشاركة 24 منتخبا للمرة الثانية على التوالي.
وكان منتخبنا الوطني قد أعاد كتابة التاريخ، عندما فرض نفسه بطلا للنسخة الماضية التي جرت في الإمارات 2019، للمرة الأولى منذ ظهوره الأول عام 1980 في الكويت.
وثمة أربعة مقومات تجعل العنابي قادرا على التربع مجددا فوق عرش القارة، عبر إحياء مشروع ثلة من النجوم الذين صنعوا الإنجاز السابق رغم التحديات الكبيرة والمعوقات التي اعترت طريقهم آنذاك، لكنهم عبدوا الطريق نحو المنصة بتتويج لفت أنظار الجميع قياسا بصغر معدل أعمار اللاعبين وقلة خبراتهم وتجاربهم.
ويراهن منتخبنا الوطني في المقام الأول على عاملي الأرض والجمهور من أجل الوصول إلى الغاية المنشودة، وهو الرهان الذي يبدو مضمونا بعد إرث دعم تاريخي وجده المنتخب في كأس العالم FIFA قطر 2022 بأرقام غير مسبوقة للحضور والمؤازرة، بعضها دخل السجلات الانفرادية كما في افتتاح المونديال، الأمر الذي سيشكل علامة فارقة تكفي لشحذ همم اللاعبين ودفعهم نحو تقديم مستويات استثنائية تعينهم على ظهور تنافسي كبير، في مضمونه نوعا من التعويض عن عدم تحقيق طموح بلوغ الدور الثاني في كأس العالم، خصوصا أن هوية المنتخب لم تعرف الكثير من المتغيرات بتواجد ذات الأسماء تقريبا، مضاف إليها عوامل تبدو في غاية الأهمية على مستوى الخبرة والتجربة والتعامل مع التفاصيل.
ولعل الحديث عن الأرض يقود إلى معطى آخر لا يقل أهمية، متمثل باللعب على الملاعب المونديالية، في سابقة تاريخية لم تعرفها نهائيات كأس آسيا من قبل، إذ لم يسبق للبطولة القارية أن أقيمت على ملاعب استضافت كأس العالم، الأمر الذي يضيف لها زخما كبيرا ويجعل نجاحها الفني مضمونا، بميزة تخدم كل المنتخبات المشاركة، لكنها تخدم المنتخب القطري على وجه الخصوص كون لاعبيه الأكثر تمرسا ومعرفة بتلك الملاعب.
أما المقوم الثاني لمنتخبنا الوطني فيتمثل بإرث النسخة السابقة من كاس آسيا 2019 حيث الدوافع الكبيرة التي خلفها الفوز بالكأس، وبالتالي ستشكل المشاركة في النسخة الجديدة بصفة حامل اللقب، حافزا كبيرا باستذكار المواجهة التاريخية التي صنعها اللاعبون أنفسهم، على اعتبار أن جل أسماء إنجاز البطولة، حاضرون في قوائم المنتخب الحالي.
ولعل الأرقام الفريدة التي حققها منتخبنا الوطني في طريقه إلى منصة التتويج، تعد مثار فخر واعتزاز للاعبين والجماهير على حد سواء، فمن بين الانتصارات السبعة/ العلامة الكاملة/، تجاوز الأدعم أربعة أبطال سابقين وهم السعودية والعراق وكوريا الجنوبية واليابان، وسجل بالمجمل 19 هدفا واستقبل هدفا وحيدا من المنتخب الياباني في النهائي.
وظهرت ملامح البطل منذ انطلاقة دور المجموعات، الذي أنهاه المنتخب القطري بالعلامة الكاملة بعدما تجاوز نظيره اللبناني بهدفين دون رد، ثم أثقل شباك كوريا الشمالية بسداسية، ثم تمكن من الفوز على المنتخب السعودي بهدفين نظيفين، ليفك شراكة الصدارة، ويبلغ الدور ثمن النهائي بطلا للمجموعة الخامسة.
تحديات الدور الإقصائي بالنسبة لمنتخبنا الوطني، بدأت بمواجهة المنتخب العراقي بطل نسخة 2007، فكان الانتصار بهدف دون رد، والعبور إلى الدور ربع النهائي ضاربا موعدا مع الكوري الجنوبي بطل النسختين الأوليين للبطولة عامي 1956 و1960 وفاز بالنتيجة ذاتها.
وكان الإبهار في الدورين نصف النهائي والنهائي من النسخة السابقة لكأس آسيا 2019 في الإمارات، إذ تجاوز المنتخب القطري نظيره الإماراتي صاحب الأرض المدجج بدعم جماهيري كبير، بانتصار ساحق وعريض برباعية دون رد في الدور قبل النهائي، ليبلغ العرض الأخير الذي كان أشبه بالتحدي الأكبر أمام منتخب متمرس ( منتخب اليابان ) حيث يملك الحاضر بقوة لاعبيه المحترفين في الدوريات الأوروبية، وتاريخه الناصع باعتباره الأكثر تتويجا وهيمنة على البطولة القارية بالألقاب الأربعة آخرها في الدوحة عام 2011 .
وعلى منوال التوهج السابق، نسج رفاق المعز علي وأكرم عفيف وتفوقوا بثلاثة أهداف مقابل هدف كان الوحيد الذي ولج مرمى المنتخب القطري في البطولة، ليظفر باللقب الأول الذي أعاد كتابة تاريخ مشاركاته القارية.
وكما هيمن منتخبنا الوطني على اللقب، فقد سيطر على الألقاب الفردية، فتوج المعز علي بالحذاء الذهبي كهداف للبطولة، وبات الأكثر تسجيلا لأهداف في نسخة واحدة في تاريخ البطولة برصيد 9 أهداف متجاوزا الإيراني علي دائي، هذا إلى جانب نيله جائزة أفضل لاعب في البطولة عن جدارة واستحقاق.
ونال سعد الدوسري لقب أفضل حارس في البطولة، وتوج أكرم عفيف بأفضل ممرر، بعدما صنع عشرة أهداف، خلافا لتسجيله هدفا، فكان وراء أحد عشر هدفا من أصل 19 سجلها المنتخب القطري في البطولة.
المقوم الثالث لمنتخبنا الوطني في البطولة القارية، يتثمل في الجهاز الفني الجديد الذي يقوده الإسباني ماركيز لوبيز الذي تم التعاقد معه مؤخرا، استنادا على خبرات كبيرة يملكها المدرب في الدوري القطري.
ويتوفر ماركيز لوبيز على تجربة جيدة في معرفة اللاعبين وبدأ مهمته مع منتخبنا الوطني بإعادة الثقة للاعبين عقب عدم القدرة على التأهل إلى الدور الثاني في كأس العالم FIFA قطر 2022، كما أراد في مستهل مشواره أن يمنح الفرصة لعناصر جديدة، بغية إبعاد بعض اللاعبين عن الضغط والإرهاق بعد رحلة الإعداد الطويلة جدا للمونديال، والمشاركة في الكأس الذهبية 2023 في الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن بين الأهداف التي حددها المدرب خلال قيادته للمنتخب، المنافسة على لقب كأس آسيا والفوز باللقب الثاني، بالإضافة إلى التأهل لنهائيات كأس العالم 2026 إذ يدرك المدرب المحنك بأن عليه أن يعد المنتخب القطري بالطريقة المثالية، من أجل أن يهضم اللاعبون أسلوبه للوصول إلى الجاهزية المثالية قبل انطلاق البطولة القارية.
ويتمثل المقوم الرابع لمنتخبنا الوطني في بطولة كأس آسيا 2023 التي يستضيفها على أرضه، في الخبرات الكبيرة التي كسبها الجيل الحالي للاعبين من رحلة التحضير الطويلة لعدة سنوات قبل كأس العالم FIFA قطر 2022، حيث جاب المنتخب العالم، وخاض عديد المنافسات في كل القارات من أجل مخزون خبرة تراكمي، يجعله قادرا على مجاراة أي منتخب يلعب ضده بغض النظر عن المناسبة.
وكانت رحلة التحضير للمونديال قد بنيت على إرث كأس آسيا 2019، عندما نجح اللاعبون الذين كانوا قبل ذلك نواة منتخب الشباب ثم منتخب تحت 23 عاما، بالفوز باللقب القاري للكبار، والذي كان بمثابة نقلة نوعية أدت إلى قفزة في التصنيف العالمي حيث انتقل منتخبنا الوطني من المركز 93 إلى المركز 55 في التصنيف الصادر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم /فيفا/ في شهر فبراير من العام 2019.
وانطلق منتخبنا الوطني بعد آسيا إلى معتركات كبيرة، فشارك في كوبا أمريكا 2019 التي استضافتها البرازيل وكسب خبرة كبيرة، قبل أن يشارك في الكأس الذهبية /كونكاكاف/ في المرة الأولى عام 2021 التي أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية وبلغ فيها الدور نصف النهائي، قبل أن يخسر أمام صاحب الأرض بصعوبة، ثم جاءت التجربة الأوروبية الفريدة التي لا تسنح لأي منتخب في العالم، من خلال المشاركة في المجموعة الأولى من التصفيات الأوروبية المؤهلة إلى كأس العالم FIFA قطر 2022 بصفة اعتبارية دون احتساب النتائج بعد الدعوة التي تلقاها الاتحاد القطري من نظيره الأوروبي.
وكانت آخر مشاركة خارج القارة الآسيوية عبر الظهور الثاني في الكأس الذهبية في نسختها الأخيرة، وقبل ذلك الظهور التاريخي الأول في المونديال، لتوفر كل تلك المعتركات مخزونا كبيرا من الخبرة والتجربة للاعبين الذين ما زالوا يشكلون نواة المنتخب القطري بغض النظر عن النتائج الأخيرة.
وسيظهر منتخبنا الوطني في البطولة القارية للمرة الحادية عشرة، حيث ستكون الاستضافة المقبلة هي الثالثة تاريخيا بعد نسختي 1988 و2011.
وخاض منتخبنا الوطني خلال مشاركته العشرة السابقة 39 مباراة حقق خلالها الفوز في (13) مواجهة وخسر (15) مباراة وتعادل في (11) وسجل (52) هدفا واستقبلت شباكه (47) هدفا، بيد أن الأرقام الأكثر نصاعة كانت في نسخة 2019 الماضية عندما حقق سبع انتصارات دون خسارة وسجل (19) هدفا واستقبل هدفا واحدا فقط، وحافظ على نظافة شباكه في (609) دقائق وهو الأكثر في تاريخ البطولة.
وتجاوز منتخبنا الوطني دور المجموعات في ثلاث مناسبات 2000 و2011 وخرج من ربع النهائي، وفي 2019 (توج باللقب).
وتوقف منتخبنا الوطني عند حاجز دور المجموعات في مشاركاته الـ4 الأولى والتي بدأت في نسخة 1980 التي استضافتها الكويت، مرورا بنسخة سنغافورة 1984، ثم الدوحة 1988، واليابان 1992، فيما غاب عن نسخة 1996 في الإمارات.
وفي نسخة 2004 التي استضافتها الصين خرج من دور المجموعات بحلوله أخيرا في المجموعة الأولى، وتكرر ذات السيناريو في نسخة 2007 التي جرت في فيتنام وتايلاند وإندونيسيا وماليزيا، أما في النسخة التي جرت بالدوحة في 2011 فنجح منتخبنا الوطني في بلوغ دور الثمانية وخرج أمام اليابان، قبل أن يعود للخروج من الدور الأول في نسخة أستراليا 2015.